قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُوا في الأَرضِ} فيه ثلاثة تأويلات:أحدها: أنه الكفر.والثاني: فعل ما نهى الله عنه، وتضييع ما أمر بحفظه.والثالث: أنه ممالأة الكفار.وكل هذه الثلاثة، فساد في الأرض، لأن الفساد العدول عن الاستقامة إلى ضدها.واختلف فِيمَنْ أُريدَ بهذا القول على وجهين:أحدهما: أنها نزلت في قوم لهم يكونوا موجودين في ذلك الوقت، وإنما يجيئون بعد، وهو قول سليمان.والثاني: أنها نزلت في المنافقين، الذين كانوا موجودين، وهو قول ابن عباس ومجاهد.{قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} فيه أربعة تأويلات:أحدها: أنهم ظنوا أن في ممالأة الكفار صلاحاً لهم، وليس كما ظنوا، لأن الكفار لو يظفرون بهم، لم يبقوا عليهم، فلذلك قال: {أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ}.والثاني: أنهم أنكروا بذلك، أن يكونوا فعلوا ما نهوا عنه من ممالأة الكفار، وقالوا إنما نحن مصلحون في اجتناب ما نهينا عنه.والثالث: معناه أن ممالأتنا الكفار، إنما نريد بها الإصلاح بينهم وبين المؤمنين، وهذا قول ابن عباس.والرابع: أنهم أرادوا أن ممالأة الكفار صلاح وهدى، وليست بفساد وهذا قول مجاهد.فإن قيل: فكيف يصح نفاقهم مع مجاهدتهم بهذا القول؛ ففيه جوابان:أحدهما: أنهم عرَّضوا بهذا القول، وكَنُّوا عنه من غير تصريح به.والثاني: أنهم قالوا سراً لمن خلوا بهم من المسلمين، ولم يجهروا به، فبقوا على نفاقهم.